الخميس، 27 يوليو 2023

حروف حول كربلانو (كربلاء)

 حروف حول كربلانو (كربلاء)

لعله من أسرار بقاء الديانات هو بقاء شعائرها وبقاء طقوسها وتوقير رموزها لأن الديانات والعقائد والأفكار تبقى تبعا لحجم شخصياتها فكل الديانات إنما بقيت تبعا لقوة هذه الشعائر أو الطقوس ، ولعل أقدم ديانة موجودة هي الديانة الصابئية التي تحاول جاهدة أن تبقى وذلك من خلال طقوسها ، وكذلك الديانة اليهودية والمسيحية والإسلامية وحتى الديانات الأخرى غير التوحيدية فإن بقاءها مرهون بتلك الطقوس والشعائر .

ولعل اخطر ما ينادي به الفكر الشيطاني هو إزالة هذه الشعائر وإلغاء الطقوس لكي تبقى الناس مثل البهائم ليس لها ما تقوم به . الشيطان هو الوحيد الذي ليس له شعائر أو
طقوس إنما له أحابيل ومكر وخبث وغيرها مما جاءت على ذكره الكتب المقدسة .
الإنسان هو الوحيد الذي تميز بهذا الابداع الديني حيث تنطلق من ضمن إطار الدين طقوسه ومن صميم تعاليم دينه فاليهودية لها طقوسها وشعائرها والمسيحية كذلك
لها طقوسها وشعائرها الحزينة والمفرحة وهكذا الإسلام ، ولكن لعل اخطر دعوة هي تلك التي تنادي بإزالة هذه الطقوس والشعائر ، ولكن أصحاب هذه الدعوات لم يضعوا
البديل ، فقط هم ينادون بإزالة هذه الطقوس والشعائر .

ل ابل أن هؤلاء ذهبوا بعيدا في دعواهم حيث نادوا أيضا بإزالة قبور الأنبياء وإزالة المنائر وحتى حرموا بناء المساجد والكنائس ودور العبادة ويريدون الرجوع بالناس إلى الصلاة بالصحراء وركوب الحمير والجمال بحجة أن الرسول والسلف الصالح لم يكونوا يفعلوا ذلك .!! وأنا في رأيي وكما اقرأ أن إزالة هذه الطقوس والشعائر تفرغ الدين من محتواه الوجداني والعاطفي . فأي أمة لا تفرح بذكرى ميلاد عظيم من عظمائها وأي أمة لا تحزن لفقد عظيم من عظمائها؟ .
أنا وضمن اختصاصي قلبت اغلب الأديان وحتى الوثنية وجدت أن لكل هذه الديانات طقوساً كانت هي السبب في حفظ الشكل العام للدين وتكفل العلماء بحفظ جوهر الدين وتوجيه هذه الشعائر والطقوس الوجهة الصحيحة لكي لاتخرج عن مسارها الصحيح . إن شعائر وطقوس ثورة الحسين عليه مراضي الرب كانت في بدايتها سيفا ودما وحربا ، لقد أدى ثقل الفاجعة على قلوب الناس بقتل ذلك المقدس ابن السماء وسيد الجنة إلى حزن تفجر طاقة هائلة لم يفرغها إلا بريق السيوف فلم تهدأ ثورة الحزن حتى قضت على دولة كانت قائمة (الدولة الأموية ) وإقامة دولة أخرى باسمها (الدولة العباسية ) ولكن هذه الدولة أيضا انحرفت عن مسارها وأصبحت من ألد أعداء صاحب
تلك الشعائر الحسين فأزالوا قبره ولمرات عديدة وقتلوا كل من يزوره لقد كان الكبت والقهر والإذلال على أشده في زمن هاتين الدولتين المتفرعنتين فلم يكن بإمكان أي حزين
أن يظهر حزنه في العلن ، لا بل لا يمكن لأي مولود أن يتسمى باسم علي والحسن والحسين إلا والسيف يذبحه في المهد طفلا .
فهؤلاء الذين يثيرون شبهة عدم وجود هذه المآتم والشعائر في زمن المعصومين أما هم من الحمقى أو المغفلين ولو أحسنا الظن لقلنا يتغافلون عن عمد عن هذه الحقيقة ولكن .
ولكن وبمجرد أن أطل العهد البويهي في القرن الرابع الهجري حتى تحرر الحزن في هذا اليوم وتجلى كما ينبغي بأروع معانية حزيناً ليس في شارع أو منطقة صغيرة لا بل في بغداد والعراق كله وخراسان كلها وما وراء النهر والدنيا كلها ، إذ أخذت تتوشح البلاد بالسواد ، ورفعت الرايات ، ويخرج الناس بأتم ما تخرج الفجيعة الحية أهلها الثاكلين ، وكذلك الحال في العهد الحمداني في حلب والموصل وما والاهم ، ولا ننسى ما حدث في العهود الفاطمية فكانت المراسيم الحسينية في عاشوراء تخضع لمراسيم بغداد حيث تشرف على إدارتها الدولة ، فوضعت لها برنامجا وهو الذي يجري الآن في جميع الأقطار الإسلامية والعربية ، وخاصة في العراق وإيران والهند وسوريا والحجاز وأفريقيا وأوربا ودول الشمال الأفريقي ، فتقام المآتم والمناحات وتعقد لتسكب العبرات ، وأصبحت إقامة الشعائر الحسينية مظهرا من مظاهر خدمة الحق وإعلان الحقيقة ورمزا من أقوى عوامل التحريك في المجتمع من اجل الثورة على الفراعنة الظالمين ولعله من أقوى الأقوال التي صدرت في القرن العشرين والتي تجسد بحق عمق المفاهيم الحسينية في الوجدان المسلم ماقاله زعيم ثورة الفقراء والمستضعفين في إيران الخميني عليه رضا الرب عندما قال : ((نحن أمة استطاعت بهذا البكاء ، أن تزيل من الوجود إمبراطورية عمرها ألفين وخمسمائة عام)) وهذا هو السر في خوف فئة معينة من هذه الشعائر والطقوس فينادون بإزالته ورميها بكل ما هو قبيح لأنهم يعرفون أن هذه الرموز جدا مقدسة والناس يتأسون بهم ويستمدون منهم العزيمة في مقارعة الظالمين .
لعلي أطيل عليكم ولكن هناك تصورات أثارت تساؤلات ولدتها عندي قراءات معمقة لما حدث في وادي الرافدين وخصوصا في هذا البقعة من بابل وكربلاء وما جاورها هذا التساؤلات أثارها من نقبوا منذ البداية في بابل وسومر وآشور وربلا Ribla والذين أشاروا إشارات واضحة إلى واقعة تاريخية دونتها كل موروثات تلك العهود فلم
يجدوا لها جوابا إلا بربطها في واقعة كربلاء حيث اجمع مستشرقون كبار هم كل من (أيردمن وشتريك ومايسنر) على أن ما حدث في وادي الرافدين من مناحات لا تشبهه
كل مناحات وشعائر وطقوس الدنيا لأنه انطلق من هذه البقعة فكانوا يتعجبون من مناحات المقدسة عشتار على أخيها تموز (اله سين ) فلم يجدوا لها شبيها سوى مناحات
المقدسة زينب على أخيها المقدس الحسين .
ولعل الذي أذهل هؤلاء المستشرقين هو أنهم وجدوا أن أب هذا المقدس اسمه إيليا وابنه اسمه سين أو اله سين وأن المناحة كأنها لا زالت تتوغل في أحزان آرام وشنعار
على مر العصور ولفت انتباه هؤلاء المستشرقين كلمة لا زالت تترد على السنة العراقيين كلمة (ويلاه) التي ذكرتها المدونات الشنعارية على أنها ندبة باسم مقتله منذ آلاف السنين وهي إيليا (علي) وبين (اله سين ) الحسين والتي تدل على مظلوميتهم فقد جاء سين إلى بابل في شهر تموز ، واعتقلته أبالسة الشر ومنعت عنه الطعام والشراب حتى الاثنين يوم القمر وهو مصير الإمام الحسين نفسه الذي قتل ممنوعاً من الماء والزاد ، في شهر تموز أيضاً ، ويوم الاثنين وفي كربلانو التي يعني اسمها ضاحية بابل الجنوبية . يقول هؤلاء المستشرقين : صرخت المقدسة عشتار لمقتل المقدس سين ، وبكت نائحة : ويلاه ويلاه ، ويلي عليك يا ولدي وأخي سين . لقد اختلط دمك بالتراب ، وعفر وجهك الأرض . يا فتيات مزقن جيوبكن ، والطمن صدوركن . وبقيت صرختها حتى زمن حزقيال القرن السابع
قبل الميلاد ولا زال دويها مستمرا إلى يوم القيامة .

المصدر : كتاب ما لا تعرفه عن الكتاب المقدس بحوث لاهوتية الجزء الأول ايزابيلا بنيامين ماما آشوري ص ١٣-١٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق