جهاد مالك الأشتر بعد اليرموك !
وصف ابن العديم في تاريخ حلب:١/٥٦٩ ، توغل الأشتر بعد اليرموك في أرض الروم فقال : (وحدثني الحسن بن عبد الله أن الأشتر قال لأبي عبيدة : إبعث معي خيلاً أتبع آثار القوم وأمضي نحو أرضهم ، فإن عندي جزاءً وغناءً . فقال له أبوعبيدة : والله إنك لخليق لكل خير).
وفي:١/١٥٦: (وأول من قطع جبل اللكام وصار إلى المصيصة مالك بن الحارث الأشتر النخعي من قبل أبي عبيدة بن الجراح ) .
ولا يتسع المجال للتفصيل ، فنكتفي بتسجيل نقاط مختصرة عن بطولاته في فتح بلاد الشام ، التي حكمها قاتله معاوية !
قال الكلاعي في الإكتفاء:٣/٢٧٣: ( وتوجه مع خالد في طلب الروم حين انهزموا فلما بلغوا ثنية العقاب من أرض دمشق وعليها جماعة من الروم عظيمة ، أقبلوا يرمون المسلمين من فوقهم بالصخر ، فتقدم إليهم الأشتر في رجال من المسلمين وإذا أمام الروم رجل جسيم من عظمائهم وأشدائهم ، فوثب إليه الأشتر لما دنا منه فاستويا على صخرة مستوية فاضطربا بسيفيهما فضرب الأشتر كتف الرومي فأطارها ، وضربه الرومي بسيفه فلم يضره شيئاً ، واعتنق كل واحد منهما صاحبه ، ثم دفعه الأشتر من فوق الصخرة فوقعا منها ، ثم تدحرجا والأشتر يقول وهما يتدحرجان : إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ . فلم يزل يقول هذا وهو في ذلك ملازم العلج لا يتركه حتى انتهيا إلى موضع مستومن الجبل ، فلما استقرا فيه وثب الأشتر على الرومي فقتله ، ثم صاح في الناس أن جوزوا ! فلما رأت الروم أن صاحبهم قد قتله الأشتر خلوا سبيل العقبة للناس ، ثم انهزموا ) ! انتهى.
ثم ذكر هزيمة الروم العامة بعد اليرموك ، وفرار هرقل من أنطاكية مودعاً لها : (فقال : السلام عليك ياسورية ، سلام مودع لا يرى أنه يرجع إليك أبداً) !
وذكر البلاذري في فتوحه:١/١٩٤، أن مالك الأشتر كان قائداً في فتح أنطاكية .
وذكر في/٦٣٠ أبا ذر والأشتر في القادة ، في محاصرة مدينة ساحلية..الخ .
وذكر في:١/٣٠٢ ، وما بعدها كيف خطط مالك لفتح حلب ، ثم كيف فتح حصن عزار ، واستخلف عليه سعيد بن عمرو الغنوي ورجع الى أبي عبيدة ، فكتب أبو عبيدة الى عمر بالنصر) .
وفي تاريخ اليعقوبي:٢/١٤١ أن أبا عبيدة أرسله الى : (جمع إلى الروم ، وقد قطعوا الدرب ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، ثم انصرف وقد عافاه الله وأصحابه ).
وذكر الواقدي في:١/٢٢٣ مبارزته لجرجيس أحد قادة الروم في منطقة عمورية ، قال : (وأقبل اليه راهب عمورية وأعطاه صليباً كان في عنقه وقال : هذا الصليب من أيام المسيح يتوارثه الرهبان ويتمسحون به فهو ينصرك ، فأخذ هجرجيس ونادى البراز بكلام عربي فصيح حتى ظن الناس أنه عربي من المتنصرة ، فخرج اليه ضرار بن الأزور كأنه شعلة نار فلما قاربه ونظر اليه والى عظم جثته ندم على خروجه بالعدة التي أثقلته فقال في نفسه : وما عسى يغني هذا اللباس إذا حضر الأجل ، ثم رجع مولياً فظن الناس أنه ولى فزعاً ، فقال قائل منهم : إن ضراراً قد انهزم من العلج وما ضبط عنه قط أنه انهزم ! وهو لا يكلم أحداً حتى صار الى خيمته ونزع ثيابه وبقي بالسراويل ، وأخذ قوسه وتقلد بسيفه وجحفته وعاد الى الميدان كأنه الظبية الخمصاء ، فوجد مالكاً النخعي قد سبقه الى البطريق وكان مالك من الخُطَّاط إذا ركب الجواد تسحب رجلاه على الأرض ! فنظر ضرار فإذا بمالك ينادي العلج : تقدم يا عدو الله يا عابد الصليب الى الرجل النجيب ناصر محمد الحبيب ، فلم يجبه العلج لما داخله من الخوف منه ! قال فجال عليه وهمَّ أن يطعنه فلم يجد للطعنة مكاناً لما عليه من الحديد ، فقصد جواده وطعنه في خاصرته فأطلع السنان يلمع من الجانب الآخر فنفر الجواد من حرارة الطعنة ، وهمَّ مالك أن يخرج الرمح فلم يقدر لأنه قد اشتبك في ضلوع الجواد وهو على ظهره لم يقدر أن يتحرك لأنه مزرر في ظهر الجواد بزنانير الى سرجه ، فنظر المسلمون الى ضرار وقد أسرع اليه مثل الظبية حتى وصل اليه وضربه بسيفه على هامته فشطرها نصفين وأخذ سلبه ، فأتاه مالك وقال : ما هذا يا ضرار تشاركني في صيدي؟ ! فقال ما أنا بشريكك وإنما أنا صاحب السلب وهولي ، فقال مالك : أنا قتلت جواده ! فقال ضرار : رب ساع لقاعد ، آكل غير حامل ! فتبسم مالك وقال : خذ صيدك هنأك الله به ! قال ضرار : إنما أنا مازحٌ في كلامي ، خذه اليك فوالله ما آخذ منه شيئاً وهو لك وأنت أحق به مني . ثم انتزع سلب العلج وحمله على عاتقه وما كاد أن يمشي به وهو يتصبب عرقاً . قال زهير بن عابد ولقد رأيته وهو يسير به وهو راجل ومالك فارس حتى طرحه في رحل مالك ! فقال أبوعبيدة : بأبي وأمي والله قوم وهبوا أنفسهم لله وما يريدون الدنيا ). انتهى.
أقول : لا أظن أن ضرار بن الأزور طان حياً في معركة اليرموك ، ولوكان فغرض الرواية التغطية على هزيمته ، وأن تجعله شريكاً لمالك الأشتر ، فضرار هذا من أتباع السطة ، وهو قاتل مالك بن نويرة (رحمه الله) وكان مُدمنَ خمر حتى شكاه أبوعبيدة الى عمر(الطبري:٣/١٩١ ، وتاريخ دمشق:٢٤/٣٩٠) .
وكان في مهمة في حي من قومه بني أسد فرأى عروساً جميلة تُزَفُّ الى زوجها فغصبها ! فكتب عمر الى خالد بن الوليد أن يرجمه فوصل الكتاب بعد وفاة ضرار ، ففرح بذلك خالد ! (مجموع النووي:١٩/٣٣٨ ، وسنن البيهقي:٩/١٠٤، وتاريخ البخاري:٤/٣٣٨ ، والجرح والتعديل:٤/٤٦٤ ، وتاريخ دمشق:٢٤/٣٨٨ ، وقد وثق في مجمع الزوائد:٦/٢٢١، رواية قتله لمالك بن نويرة (رحمه الله) ، وبحث ذلك في النص والإجتهاد/١٢١).
المصدر : موقع الشيخ علي الكوراني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق