دور مالك الأشتر في فتح مصر
وقد روته عدة مصادر ، منها ما رواه الواقدي:٢/٦٦: (فقال يزيد بن أبي سفيان : أنا والله رأيت مالكاً الأشتر النخعي ، وعرفته بطول قامته وركبته على فرسه...).
وذكر في:٢/٢٢١ ، كتاب عمر الى ابن العاص يذكر فيه مالكاً في القادة .
وذكر في:٢/٢٤٠: نداء مالك في المسلمين في مصر يثبتهم ويشجعهم قال : (لاتولُّوا فراراً من الموت ! أتريدون أن تكونوا عاراً عند العرب ! فما عذركم غداً بين يدي رسول الله (ص) ؟ ! أما سمعتم قول الله عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ . وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَومُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) .
وذكر في:٢/٢٤٢، أنه كان في قلب جيش الفتح المصري مقابل الروم ، وفي:٢/٢٧٢ مشاركته في فتح البهنسا ، وقال : (ونزل المسلمون بجانب الجبل عند الكثيب الأصفر قريباً من البياض الذي على المغارة نحو المدينة....فلما أصبحوا خرج أعداء الله للقائهم فقال مالك الأشتر : يا قوم إن أعداء الله خرجوا للقائكم فاشغلوهم بالقتال وأرسلوا جماعة منكم يملكون الجسر واستعينوا بالله ).انتهى.
رأيت رواية ألفتتني ، لأنها تدل على أن أبا ذر (رحمه الله) كان موجوداً في فتح الشام ، فتتبعت خيوطها ، ففتحت عليَّ باباً وكشفت لي حقائق عن الفتوحات الإسلامية ، تخالف روايات الحكومات الرسمية .
قال القاضي النعمان في شرح الأخبار:٢/١٥٦: (غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس وهو أمير على الشام ، فغنموا وقسموا الغنائم ، فوقعت جارية في سهم رجل من المسلمين وكانت جميلة ، فذكرت ليزيد فانتزعها من الرجل ! وكان أبوذر يومئذ بالشام ، فأتاه الرجل فشكا إليه واستعان به على يزيد ليرد الجارية إليه ، فانطلق إليه معه وسأله ذلك فتلكأ عليه ! فقال له أبوذر : أما والله لئن فعلت ذلك ، لقد سمعت رسول الله (ص) يقول : إن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية ، ثم قام ! فلحقه يزيد فقال له : أذكرك الله عز وجل أنا ذلك الرجل؟! قال : لا فرد عليه الجارية). انتهى .
وفي سير أعلام النبلاء:١/٣٢٩ ، وتاريخ دمشق:٦٥/٢٥٠: (فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل فاغتصبها يزيد) . انتهى . وقد روت هذا الحديث أكثر مصادرهم ، وغطى أكثرها على آل أبي سفيان ، فلم يذكروا أن مناسبة الحديث غصب ابن أبي سفيان للجارية ، وقد رأيت في آخر الفصل السابق تصحيح الألباني للحديث ، دون أن يذكر مناسبته ! كما أنهم لم يذكروا شيئاً عن سلوك أخيه معاوية ، لكنه كان في جوه !
وممن غطى على بني أمية وحاول تكذيب الرواية بخاري ، فقال في تاريخه:١/٤٥: (كان أبوذر بالشام وعليها يزيد بن أبي سفيان فغزا الناس فغنموا...وهنا بتر بخاري القصة ، وقال: (والمعروف أن أبا ذر كان بالشام زمن عثمان وعليها معاوية ومات يزيد في زمن عمر ، ولا يعرف لأبي ذر قدوم الشام زمن عمر). انتهى.
وإن أحسنا الظن ، فالبخاري غير مطلع ، وإلا فهو متعصب لبني أمية !
وقد روى ابن كثير في النهاية:٨/٢٥٤، قصة هذه الجارية ، ثم قال: (وكذا رواه البخاري في التاريخ وأبو يعلى عن محمد بن المثنى ، عن عبد الوهاب ، ثم قال البخاري : والحديث معلول ولانعرف أن أبا ذر قدم الشام زمن عمر بن الخطاب).
أقول: لكن بخاري لم يروها كاملة ، ولا قال كما نقل عنه ابن كثير !
يدل الحديث المتقدم على أن أبا ذر رضوان الله عليه شارك في فتح الشام ، وكان له نفوذ على قادة جيش الفتح ! وهوما تحرص مصادر دولة الخلافة على إخفائه ، حتى لاتُنسب الفتوحات الى شيعة علي(ع) ، وحتى لايظهر انحراف خلفائها وأمرائها ، وإدانة الصحابة الأجلاء لهم !
إني أدعو الباحثين خاصة في تاريخ الفتوحات الإسلامية ، لأن يفتحوا الباب على هذه الحقيقة الضخمة التي غطت عليها حكومات الخلافة القرشية ، والتي يشكوعلي(ع) من ظلامتها !
المصدر : موقع الشيخ علي الكوراني