الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017

الشيخ الإمام أحمد بن سعادة البحراني

كشكول
أديم الأرض
الشيخ الإمام أحمد بن سعادة البحراني
الشيخ فاضل الزاكي
عرفت البحرين منذ العصور الإسلامية الأولى كمركز إشعاع حضاري وعلمي ، فقد أنجبت العديد من العلماء أفذاذ الذين كانت لهم أدوار مؤثرة في جميع المجالات ، والأمثلة كثيرة على ذلك . والمتتبع لتاريخ البحرين العلمي ، يمكنه أن يلحظ أمرين مهمين ، الأول أن البحرين ، ورغم كونها جزيرة مقطوعة عن العالم ، وبعدها عن الحواضر العلمية النشطة في العالم الإسلامي ، فإن المعطيات المتوفرة تؤكد وجود حراك علمي بارز فيها ،  أهلها للعب دور الحاضرة العلمية في المنطقة .
وبشكل عام ، يمكن القول بإن هذا الدور بقي مستمرا ومتواصلا دونما انقطاع ، بالرغم من كثرة التقلبات السياسية والأمنية التي مرت بها البحرين طوال تاريخها ،  والتي كان لها أثرها البارز في ضعف هذا الدور أو أشتداده من زمن إلى آخر ،  وقد بقي الأمر كذلك حتى عهد قريب .
والأمر الآخر أن كمية المعلومات المتوافرة حول النشاط العلمي في البحرين بشكل عام ، تتفاوت من عصر إلى آخر ، فيمكن أن توصف أحيانا بأنها معلومات "قليلة" أو حتى "شحيحة جدا" فيما يتعلق ببعض القرون القديمة ، وهذا الأمر يختلف بالنسبة للقرون المتأخرة ، إذ أن المعلومات متوافرة بشكل أفضل نسبيا .
واللافت هنا ، أن اقدم المعطيات الموجودة لدينا ،  تشير إلى تمركز العلماء في القرون القديمة في جزيرة سترة وما جاورها ، من مثل "جزيرة أكل" و "قرية الماحوز" .  ولعل هذه المنطقة كانت بمثابة عاصمة للبحرين آنذاك .  بالتأكيد ، فإن هذا الأمر لا يلغي الدور العلمي للمناطق الأخرى ، حيث أن هذا الاستنتاج مجتزأ ، لأنه مبني على المعلوم7075ات الشحيحة التي وصلتنا عن تلك القرون ، ولا زلنا نفتقد الكثير من المعطيات في هذا المجال . وربما تتغير نظرتنا لو وصلتنا .
البحراني .. العالم الجليل
مما لا شك فيه أن النشاط العلمي لجزيرة سترة لم يقتصر على الحقبة القديمة ، فقد كان لهذه الجزيرة دورها العلمي الفاعل والمتواصل على مر القرون ، ويمكن الإشارة إلى كل من الشيخ عبدالله بن عباس الستري (المتوفي سنة 1267هجرية 1851م) ،  والشيخ أحمد بن صالح آل طعان )المتوفي سنة 1303هجرية 1886م) ، والشيخ علي بن عبدالله الستري (المتوفي سنة 1320هجرية 1902م ) ،  كأعلام بارزين من أبناء هذه الجزيرة في الفترات الأخيرة .
ولكن ، بحسب المعطيات المتوفرة ، يبقى الشيخ أحمد بن علي بن سعيد بن سعادة الستري البحراني أقدم من نعرفه من أعلام هذه الجزيرة ، وهو شخصية علمية بارزة . ولكن ، مع الأسف الشديد – وكأكثر علماء البحرين السابقين – لم يلقى هذا العالم الجليل الاهتمام اللائق من المؤسسات الثقافية ،  بل نجد تجاهلا مقصودا له ولأمثاله من علماء البحرين الأفذاذ في الإعلام الرسمي لهذا البلد ،  الذي يصر على التجاهل التام للماضي الإسلامي له ولتاريخ علمائه ، في حين يركز اهتمامه على بعض المقابر أو المعابد الوثنية لعصور ما قبل الإسلام .
والشيخ أحمد بن سعادة البحراني هو كمال الدين أبو جعفر أحمد بن علي بن سعيد بن سعادة البحراني .  عرف بنسبته إلى البحرين ،  فيقال له "البحراني" . ومن المعلوم أن "البحرين" كانت تطلق قديما ، ويراد منها ما يشمل الحواضر الثلاث ، الإحساء والقطيف وجزيرة أوال . ويظهر من جملة من المصادر أنها اسم لعموم الساحل الغربي للخليج ، أي ما بين البصرة شمالا إلى عمان جنوبا ، وفق ما ذكر الرحالة والمؤرخون . وبناء عليه ، فإن لفظة "البحراني" في تلك الأعصار ليست نسبة مختصة بجزيرة أوال ، التي هي البحرين الحالية ، بل هي نسبة إلى عموم الإقليم .
والظاهر أن اختصاص جزيرة أوال باسم البحرين ، انما حصل تدريجا في القرون اللاحقة ، وقد برزت هذه النسبة مع بداية الاحتلال البرتغالي للبحرين سنة 927هجرية 1521م ، إذ يظهر من المصادر أن اسم البحرين كان يطلق حينها على جزيرة أوال تحديدا دون بقية المناطق .
ورغم عدم تصريح المصادر بمكان سكناه على وجه التحديد ، فإن الذي يظهر من القرائن أنه كان يسكن جزيرة سترة ، حيث يوجد قبره وقبر تلميذه ، ولعله كان يسكن في قرية "الخارجية" ، لأنها أشهر قرى جزيرة سترة وأقدمها ، فهي بمثابة العاصمة لتلك الجزيرة .
الفيلسوف الحكيم
عند الحديث عن مشايخ عالم ما ، ينبغي التمييز بين نوعين منهم ، النوع الأول هو المشايخ الذين حضر ،  ودرس لديهم ، وأستقى من نمير علومهم ، ويعبر عنهم ب"الأساتذة" والنوع الثاني هو المشايخ الذين يروي عنهم وأجازوه ، ويعبر عنهم ب"مشايخ الإجازة" .  وكثير ما يكون الشيخ الأستاذ هو شيخ إجازة أيضا ولكن لا يوجد تلازم تام في ذلك ، لهذا قد يفترقان في خارجا في موارد عديدة . ولعل الغالب في تلك الأعصار -  خلافا لهذه الأعصار -  أن الشيخ لا يعطي إجازة الرواية للشخص ما لم يحضر لديه الدرس مدة مديدة .
ليست لدينا معطيات كثيرة تشير إلى عدد مشايخ ابن سعادة أو أسمائهم ،  ولكن المستفاد  من بعض الإيجازات ، ك"الإجازة الكبيرة" التي كتبها العلامة الحلي لبني زهرة الحلبيين ، أن الشيخ أحمد بن سعادة يروي عن الشيخ نجيب الدين يحيى السوراوي ، ولم نجد في المصادر الموجودة بين أيدينا أي تصريح براويته عن غيره ، وإن كنا نطمئن إلى وجود مشايخ آخرين له ، كما تقتضي العادة الجارية بعدم الاكتفاء بالتلميذ على شيخ واحد ، وخصوصا أن الشيخ نجيب السوراوي كان مقيما في مدينة الحلة العراقية ، التي كانت آنذاك تمثل الثقل العلمي للشيعة ،  وكانت بمثابة الحوزة الأم للحوزات الأخرى ، ما يظهر أن الشيخ أحمد بن سعادة لا بد من أن يكون قد سافر إليها وأقام فيها مدة من الزمن . وخلال ذلك ، لا بد له من أن يلتقي علماءها البارزين ، وهم كثر آنذاك .
وإذا كان لنا أن نحتمل بعض الأسماء من مشايخ ابن سعادة ، فنحن نستقرب روايته عن اثنين من علماء البحرين في وقته ، هما الشيخ راشد بن إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم بن محمد البحراني )المتوفي سنة 605هجرية /1208م) ، والشيخ قوام الدين محمد بن محمد البحراني )كان حيا سنة 588هجرية /1192م) ، لتقارب عصرهما مع عصره ، واتحاد اليلد ، ولكن مع هذا ، لا يمكننا الجزم بذلك  .
وقد بخلت علينا المصادر فيما يتعلق بمشايخ الشيخ ابن سعادة البحراني وأساتذته ، كما بخلت علينا كذلك فيما يتعلق بتلامذته ، فلم نتعرف إلا إلى شخص واحد من تلامذته ، وهو تلميذه الشيخ علي بن سليمان الستري . كان من أعلام القرن السابع الهجري ، وكان عالما فقيها ذا مشرب فلسفي .
كما أن أغلب المصادر لم تشر إلى شيء من مؤلفات الشيخ أحمد بن سعادة البحراني ، سوى رسالة مختصرة في حقيقة العلم ، وقد اشتهرت باسم "رسالة العلم" ،  وقد شرحها الخواجة نصير الدين الطوسي (المتوفي سنة 672 هجرية /1273م) . ولديه رسالة في معنى القبض والبسط ،  لم نجد من أشار إليها سوى الشيخ محمد علي العصفوري   )المتوفي سنة 1365هجرية /1946م) في تاريخه .
تجمع المصادر على وصف الشيخ البحراني بالحكيم والفيلسوف ،  وهو ما قد يستفاد من كتابه "رسالة العلم" ، الذي يدل على فضل كبير وعلم غزير ، مضافا إلى أن الشيخ جلال الدين الرومي (المتوفي سنة 672هجرية /1273م) ، أرسل إلى ابن سعادة يسأله عن القبض والبسط ، فكتب في جوابه كتابا ، وهو ما يؤكد نبوغه وفضله وشهرته في هذا الميدان ، بحيث صار مقصدا في تحقيق هذه المسائل التي تحتاج إلى النقض والإبرام ، ولكن هذا الأمر لا يعني بالضرورة أنه أختص بالعلوم العقلية ، ولم يكن بارزا أيضا في العلوم الأخرى ،  كالفقه والحديث وغيرها من العلوم النقلية ، فهذه الأوصاف كثيرا ما تلصق بالعالم نتيجة شهرة بعض مصنفاته وضمور البعض الآخر منها وخفائها ، أو لبعض القرائن التي يلتفت إليها البعض ويغفل القرائن الأخرى .
لم تشر المصادر القديمة إلى تاريخ وفاة ابن سعادة ،  ويمكننا نخلص إلى أن المترجم توفي في حدود منتصف القرن السابع الهجري )أي حدود سنة 650 هجرية /1265م) . ولا شك في أنه مدفون في جزيرة سترة ، كما صرح بذلك كثير ممن ترجم لعلماء البحرين .
وهو ، كما ذكر الشيخ المبارك ، مدفون مع تلميذه الشيخ علي بن سليمان الستري ، وقبورهم معروفة ومشهورة في مقبرة السلطان في جزيرة سترة . ومما يؤسف له أن عناية الناس بزيارتهم قليلة لا تتناسب ومقامهم الشامخ ومنزلتهم العلمية .
الوضع السياسي في عصره
منذ أواخر القرن الثالث وحتى اواسط القرن الخامس ،  كانت البحرين تحت سيطرة القرامطة الذين عاثوا في الأرض فسادا ،  وأذاقوا أهل البحرين أنواع البلايا ، إلى أن ثاروا عليهم ، وأقتلعوهم ، وأزالوا ملكهم ، وأنهوا بذلك حقبة سيئة من تاريخ المنطقة .
ثم بعد ذلك ، ومنذ العام 467هجرية /1074م) ، وعلى مدى ما يقارب قرنين من الزمن ،
كان إقليم البحرين بحواضره الثلاث (الإحساء والقطيف وأوال) ، خاضعا لسلطة الحكام العيونيين الذين يرجعون في نسبهم إلى قبيلة عبد القيس العدنانية .
وكحال أهل البحرين آنذاك ، عرف العيونيون بولائهم إلى أهل البيت ، و لا زالت العملات المعدنية خلال تلك الحقبة شاهدة على تشيعهم ، حيث زينت تلك العملات بعبارات " لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله " ، ويؤكد ذلك ما ورد في عبارات الرحالة والجغرافيين في تلك الأعصار ، حيث أكدوا تشيع أهل البحرين ، فمن ذلك ما ذكره ياقوت الحموي متحدثا عن عمان ، كما يؤيده ما ورد في شعر علي ابن المقرب العيوني (المتوفي سنة 629هجرية /1232م) ، الذي ينتمي إلى هذه الأسرة العيونية الحاكمة ، من أبيات في أهل البيت .
فبعد سقوط دولة القرامطة التي حاربت الدين بضراوة وفتكت بالمتدينين ، بدأ أهل البحرين يتنفس الصعداء . وفي ظل قيام الدولة العيونية واستقرارها ، بدأ البعض بالهجرة إلى الحواضر العلمية في العراق من أجل طلب العلم ورواية الحديث ، فبدأ العلم يزدهر في حواضر البحرين ، وبدأ العلماء من أهالي المنطقة في تصنيف الكتب دونما خوف أو تهديد . ولعل أول كتب وصلنا هو كتاب "مختصر أحوال المعصومين" للشيخ راشد بن إبراهيم بن إسحاق البحراني (المتوفي سنة 605 هجرية / 1208م) ،  الذي عاصر الشيخ أحمد بن سعادة شطرا من حياته .
ومما قيل في حقه وحق كتابه "رسالة العلم" ، ما أورده الخواجة نصير الدين الطوسي .
بسم الله الرحمن الرحيم
أتاني كتاب في البلاغة منته *** إلى غاية ليست تقارب بالوصف
فمنظوره كالدر جاد نظامه *** ومنثوره مثل الدراري في اللطف
دقيق المعاني في جزالة فضله *** تحير في ضم الغموض إلى الكشف
كغانية غار العقول بحسنها *** تمرض عيناها ومثلمها يشفي
أتى عن كبير ذي فضائل جمة *** عليم بما يبدي الحكيم وما يخفي
فأصبحت مشتاقا إليه مشاهدا *** بقلبي محياه وإن غاب عن طرفي
رجا الطرف أيضا كالفؤاد لقاءه *** وأن لا يوافي قبل إدراكه حتفي
قرأت من العنوان حين فتحته *** وقبلت تقبيلا يزيد عن الألف
ولما بدا لي ذكركم في مسامعي *** تعشقكم قلبي ولم يركم طرفي
فصادفت هذا البيت في شرح *** قصتي وإيضاح ما عانيته جملة يكفي
مقالة مختصرة من ورقة بحثية قدمت في الندوة التعريفية بالشيخ أحمد بن سعادة عام 2015م
المراجع :
1. أنظر نزهقة المشتاق في اختراق الآفاق 1 : 379 ، ومعجم البلدان 1 : 347 .
2. أنظر كتاب "نقود الدولة العيونية في بلاد البحرين" ، لمؤلف نايف بن عبدالله الشرعان .
3. الذريعة إلى تصانيف الشيعة 173:20 .
الشيخ فاضل الزاكي : عالم دين بحريني ومدرس حوزوي ومدير حوزة الإمام زين العابدين ع في البحرين . درس المقدمات والسطوح العلية ، ثم حضر البحث الخارج لعدد من الفقهاء والمراجع . له العدد من المؤلفات والبحوث .
للتواصل عبر الإيميل fadhelfadhel@hotmail.com
المصدر : أرشيفوا العدد 7

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق