السبت، 21 أكتوبر 2017

البحرين

حسن عبدالله أكتوبر 2000
جاء في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي عن البحرين أنها :"اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان" ، ثم وصفها بقوله "فيها عيون ومياه وبلاد واسعة" ، وقد ذكرها القلقشندي في كتابه "صبح الأعشى" وقال بأنها تحتوي على قرى كثيرة ، ومن قرى البحرين التي ذكرها ابن خرداذبة (المتوفى 300هجرية/913ميلادية) في كتابه المسالك والممالك : الخط والقطيف والآرة وهجر ، ومن القرى التي ذكرها "ابن الفقيه" في كتابه "مختصر كتاب البلدان" : الحوس والكثيب الأكبر والكثيب الأصغر . 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن جزيرة "أوال" لا تذكر كثيرا عند ذكر المناطق التي تتألف منها البحرين الكبرى وذلك بخلاف هجر أو القطيف أو الخط التي يلاحظ كثرة ذكرهم ، وقد يدل هذا على أهمية المناطق الثلاث الأخيرة آنذاك وتضاؤل أهمية جزيرة "أوال" في قبالهم . 

ومن ناحية أخرى يبدو من الملاحظ اختلاف الجغرافيين في اسم "البحرين" "وهجر" وعدم استقرار كل اسم بمنطقة خاصة به ، إذ يلاحظ أحيانا وكأن هناك تبادل بين الاسمين إذ يطلق أحيانا اسم البحرين على منقطة هجر والعكس صحيح ، وكأمثلة على ذلك ، يقول ابن خرداذبة في القول الذي أرودنا سابقا:"قرى البحرين وهي الخط والقطيف والآرة وهجر" ، "فهجر" هنا ما هي إلا "قرية" من قرى البحرين ، أما "المقدسي" في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" فله رأي آخر إذ يقول :"ومن المدن ما لها أكثر من اسم نحو مكة وبكة ، المدينة ويثرب ، ..... البحرين (و) هجر" ، "فهجر" هنا "مدينة" وليست قرية ، ومن الملاحظ هنا أن "المقدسي" يعد البحرين مدينة أيضا ، فالبحرين وهجر اسم لمدينة واحدة كما يرى ، لا يقال بأنه ربما قصد بالمدينة الإقليم على أساس أن اللغة الجغرافية القديمة لا تفرق بين المدينة والإقليم مثلا ، لأن ذلك يرد (بضم الياء) بأن المقدسي قبل ذكره للبحرين وهجر ذكر مكة والمدينة وهما مدينتان وليس إقليمان كما هو واضح ، ووحدة السياق بين مكة والمدينة والبحرين تقتضي أن يكون المقصود بالبحرين وهجر هنا المدينة وليس الإقليم ، ويؤيد ذلك ما ذكره الحموي حيث قال :"هجر : مدينة وهي قاعدة البحرين" ، نعم قد يكون من المعقول القول بأن الفرق بين المدينة والقرية ليس واضحا تماما في لغة الجغرافيا القديمة ، فالحموي هنا يذكر بأن "هجر" مدينة ، في حين أن ابن خرداذبة ذكرها ضمن قرى البحرين ، والقول بأن هجر قرية ومدينة في آن واحد غير معقول إلا إذا أقيم الدليل على أن هجر كانت قرية في بداية أمرها ثم شيئا فشيئا أصبحت مدينة ، فإن تحول القرية إلى مدينة من الأمور التي نلاحظها حتى في هذه الأيام . 

ومما سبق نخلص إلى أن هجر تعرف أحيانا بأنها قرية وأحيانا أخرى بأنها مدينة ، كما أن البحرين تعرف أحيانا بأنها مدينة وأحيانا أخرى بأنها إقليم ، ويضيف المقدسي معنى آخر لما تقدم فيقول :"الأحساء : قصبة هجر وتسمى البحرين" ، والقصبة هي أعظم المدن ، وربما القصبة قديما تشابه العاصمة حديثا ، فالأحساء كما يذكر المقدسي هي أعظم مدن هجر ما يعني أن هجر ليست مدينة وإنما هي إقليم ، وقد أيد ذلك بقوله "هجر وتسمى البحرين" أي أن هجر والبحرين اسمان لإقليم واحد ، وبذلك يضيف المقدسي مسمى آخر "لهجر" هو الإقليم ، والخلاصة أن هجر أطلقت على قرية ومدينة وإقليم ، وأن البحرين أطلقت على مدينة وإقليم ولم تطلق على قرية ، وعندما يتحدث القلقشندي عن هجر ينقل عن "المشترك" قوله :"ويقال للبحرين هجر أيضا ... وليست هجر مدينة بعينها" ، ويؤكد القلقشندي بهذا القول أن هجر تطلق على إقليم البحرين كله ، كما يؤكد على أنها ليست بمدينة ، وللتوفيق بين هذا القول وما سبقه ، وتفسيرا لاختلاف المسميات لكلمة "هجر" يبدو أن الصحيح أن هجر كانت في البداية قرية صغيرة ضمن القرى الكثيرة لإقليم البحرين ، ثم تطورت هذه القرية شيئا فشيئا إلى أن أصبحت مدينة وقاعدة لإقليم البحرين كله ، ونظرا للأهمية التي بلغتها مدينة هجر أصبح إقليم البحرين كله يختصر في مدينته المهمة هجر ولهذا أطلق اسم هجر على الإقليم كله ، وهذا له ما يشبهه في عصرنا الحاضر ، حيث الجزائر العاصمة عاصمة الجزائر الدولة مثلا ، أما عن نفي القلقشندي كون هجر مدينة بعينها فيتعارض مع الكثير من الأقوال التي تثبت مدنية "هجر" ، ورغبة في فك التعارض يمكن احتمال أن هذا القول للقلقشندي جاء بعد تدمير مدينة هجر من قبل القرامطة ، فبعد أن دمرت مدينة هجر بقي اسم المدينة يطلق على الإقليم ولم يختف مع اختفاء المدينة نفسها ، فالقلقشندي حينما ينفي كونها مدينة معينة ربما يريد الإشارة إلى عدم وجود هذه المدينة في الوقت الذي كتب فيه كتابه وفي الزمان الذي عاش فيه ، وهذا لا يمنع من وجودها قبل أيامه إذ ليس في نصه ما ينفي وجود مدينة هجر بشكل كامل في التاريخ ، هذا ما يتعلق "بهجر" ، وأما البحرين فيبدو أنها تطلق في الأساس على اسم الإقليم كله ، وهذا ما يفهم من العبارات الكثيرة لأصحاب الكتب الجغرافية القديمة ، ولكن ، بما أن الإقليم كله صار يعرف باسم البحرين واسم هجر أيضا كما مر ، فإن هذا التسامح وهذه الثنائية أسقطت على المدينة أيضا ، فإطلاق اسم هجر على البحرين "الإقليم" سمح بإطلاق اسم البحرين على هجر "المدينة" . 

أما عن سبب تسمية "البحرين" بهذا الإسم فهناك ثلاثة آراء ، الرأي الأول هو لأنها تقع بين بحر فارس وبحر عمان ولذا أطلق عليها هذا الإسم ، والرأي الثاني هو لما تتصف به هذه المنطقة والمياه المحيطة بها من ظاهرة نبع المياه العذبة من وسط المياه المالحة ، ولذلك تكثر العيون في هذه المنطقة ، وقد كان الغواصة قديما يعرفون الأماكن التي ينبع منها الماء العذب فيقصدونها للشرب أثناء رحلات غوصهم ، أما الرأي الثالث فهو ما ذكره ابن منظور في لسان العرب حيث قال :"قال الأزهري : وإنما ثنوا البحر لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الأحساء وقرى هجر ، بينها وبين البحر الأخضر عشرة فراسخ ، وقدرت البحيرة ثلاثة أميال في مثلها ولا يغيض ماؤها ، وماؤها راكد زعاق" وقد ذكر هذا الرأي ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان ، والقلقشندي في كتابه صبح الأعشى والثلاثة نقلوا هذا القول عن الأزهري . 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن ابن منظور قد ذكر في كتابه الشهير لسان العرب منطقة البحرين باسم "البحران" حيث قال : "البحران : موضع بين البصرة وعمان" ، ثم أكمل كلامه إلى أن قال :"ويقال : هذه البحرين وانتهينا إلى البحرين" في إشارة إلى أن اسم البحرين هنا قد أصبح علما وبذلك يختلف حكمه عن حكم المثنى الذي يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء ، فيبدو أن ابن منظور يرى أن الرأي الراجح هو إطلاق اسم "البحران" على المنطقة الممتدة بين البصرة وعمان ، ولكنه في الوقت نفسه يذكر الرأي الآخر وهو "البحرين" ، ومما يؤيد إطلاق اسم "البحران" وإرادة "البحرين" أن ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد قد ذكر "البحران" وهو يريد "البحرين" في عدة مواضع من كتابه مما يعني أن هذا الإسم كان شائعا في تلك الفترة وإن أصبح منسيا هذه الأيام . 

ويذكر في هذا المجال أيضا ما نقله الحموي عن الزمخشري في قوله : "البحرين : هكذا يتلفظ بها في حال الرفع والنصب والجر ، ولم يسمع على لفظ المرفوع من أحد منهم ، إلا أن الزمخشري قد حكى أنه بلفظ التثنية فيقولون : هذه البحران وانتهينا إلى البحرين ، ولم يبلغني من جهة أخرى" . 

واستنادا إلى ما مر ذكره ، يبدو أن النسبة المشهورة إلى البحرين وهي "بحراني" قد اشتقت من الاسم الشائع قديما وهو "البحران" ، إذ من المعروف نحويا أن النسبة عادة تكون باضافة "ياء" في آخر اسم البلد ، فيقال عراقي نسبة إلى العراق ومصري نسبة إلى مصر وغيرها ، وعلى أساس هذه القاعدة يبدو أن النسبة "بحراني" اشتقت من البحران ، وهو من الأسماء القديمة للبحرين ، ومما يؤيد ذلك أن هذه النسبة "بحراني" تعتبر من الشواذ في مجال النسب ، بمعنى أن العرب تقول لساكن العراق عراقي ، فيجب أن تقول لساكن البحرين بحريني ، ولكن العرب لم تقل هذه النسبة أبدا ، وإنما كانت تصف ساكن البحرين بأنه "بحراني" ، وقد اعتبروا النسبة إلى البحرين من شواذ قاعدة النسبة ، وكون النسبة إلى البحرين تعتبر من الشواذ يجعلنا نتساءل عن السبب في ذلك ، فلماذا أصبحت النسبة إلى البحرين من الشواذ ؟ إن الاجابة على هذا السؤال قد تؤكد لنا إطلاق اسم "البحران" على "البحرين" ، فحينما نعلم بأن البحرين كانت تعرف قديما باسم "البحران" نعرف تبعا لذلك أن النسبة الطبيعية للبحران هي بحراني ، ولا شواذ ولا خروج على القاعدة النحوية في ذلك ، ولكن بسبب هجران الاسم القديم وهو "بحران" والاقتصار على "البحرين" التبس الأمر وأصبحت "بحراني" وكأنها من الشواذ في عالم النسب ، في حين أنها لم تكن شاذة في وقتها ، لأنها كانت مطابقة لاسم البحرين القديم وهو "البحران" . 

ومما يؤكد هذا المعنى أيضا أن الكتب الجغرافية واللغوية (المتوفرة لدى الكاتب) تجمع على أن النسبة إلى البحرين "بحراني" ولا تذكر النسبة الثانية "بحريني" من قريب ولا من بعيد ، ومن ذلك ما ذكره ياقوت الحموي في قوله :"قال أبو محمد اليزيدي سألني المهدي وسأل الكسائي عن النسبة إلى البحرين وإلى حصنين لم قالوا حصني وبحراني ؟ فقال الكسائي كرهوا أن يقولوا حصناني لاجتماع النونين ، وإنما قلت : كرهوا أن يقولوا بحري فتشبه النسبة إلى البحر" ، ومن الجدير بالملاحظة هنا أن السائل والمجيب لم يذكرا كلمة "بحريني" ، فالسائل ذكر كلمة "بحراني" والمجيب رجح "بحراني" على "بحري" خشية أن تشبه النسبة إلى البحر، ولم يرجحها على "بحريني" مثلا ، على الرغم من قرب هذه النسبة لنا هذه الأيام ، وهذا يدفع إلى القول بأن نسبة "بحريني" كانت مستبعدة جدا وليست واردة لا على لسان السائل ولا على لسان المجيب ، وكأنها أمر متفق على عدم صلاحه ، وهذا الاتفاق يمنع من ورودها في السؤال والجواب . 

وممن ذكر أن النسبة إلى البحرين "بحراني" ابن منظور في كتابه لسان العرب ، والقلقشندي في كتابه صبح الأعشى والرازي في كتابه مختار الصحاح ، وجبران مسعود في كتابه الرائد . 

ومما سبق نخلص إلى أن النسبة التي تقر بها الكتب الجغرافية واللغوية للبحرين هي "بحراني" ، وهي وإن كانت شاذة وخارجة على قاعدة النسبة إلا أنها لم تكن كذلك حين كانت تعرف البحرين باسم "البحران" ، ثم أن الشذوذ والخروج على القاعدة لا يعني أن النسبة ليست صحيحة وإنما كل الأمر أنها نسبة ليست على طبق القاعدة ، وهذا بدوره يجرنا إلى القول بأن النسبة الحالية وهي "بحريني" هي نسبة خاطئة وإن كانت وفق القاعدة ، ولكنها تخالف ما تعارف عليه العرب سواء في الكتب اللغوية أو الجغرافية في أن النسبة إلى البحرين "بحراني" وليست "بحريني" . 

وقبل ختام الحديث عن البحرين لا بأس بذكر بعض ما حوته الكتب الجغرافية من طرائف حول البحرين ، وإن كان بعضها يسئ إلى أهل البحرين ولكن لا بأس بذلك حبا في شئ من الحياد والموضوعية ولكي يعرف أهل البحرين ما لهم وما عليهم . 

1- جاء في كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي قوله ""عن أبي زرعة عن عمرو ابن جرير عن النبي (ص) قال : إن الله عز وجل أوحى إلى أي هؤلاء الثلاث نزلت فهي دار هجرتك المدينة أو البحرين أو قنسرين" .
2- وقد ذكر المقدسي أيضا أسماء بعض المناطق مع ذكر مذاهبهم ، ومما قاله :"ومذاهبهم بمكة وتهامة وصنعاء وقرح سنة .... وأهل الرأي بعمان" ثم قال" وهجر وصعدة شيعة" ، وإذا علمنا أن المقدسي توفي في 380هجرية الموافق 990 ميلادية نعلم تبعا لذلك أن أهل البحرين كانوا شيعة في ذلك الوقت . 
3- - كتب ابن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك تحت عنوان "من عجائب طبائع البلدان" يقول :"إن من دخل التبت لم يزل ضاحكا مسرورا من غير سبب يعرفه حتى يخرج منها" إلى أن قال "ومن سكن البحرين عظم طحاله ، قال الشاعر : 
ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ويحسد بما في بطنه وهو جائع 
وقد ذكر ذلك ابن الفقيه أيضا في كتابه مختصر كتاب البلدان حيث قال"ومن عيوب الشام كثرة طواعينها ، والناس يقولون : حمى خيبر وطواعين الشام ورماميل الجزيرة وحرب الزنج وطحال البحرين" . 
4- ذكر ابن الفقيه في كتابه مختصر تاريخ البلدان :"قال الحجاج لابن القرية : أخبرني عن مكران : قال : ماؤها وشل ، وتمرها وقل ، وسهلها جبل ، ولصها بطل ... قال : فأخبرني عن ا لبحرين ، قال : كناسة بين مصرين كثيرة جبالها جهلة رجالها " .
5- جاء في كتاب المسالك والممالك لابن خرداذبة :" ومن الخشبات إلى مدينة البحرين في شط العرب سبعون فرسخا وأهلها لصوص يقطعون على المراكب ولا زرع لهم ولهم نخل وإبل ، قال أعرابي : 
رمى به في موحش القفار بساحل البحرين للصغار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق