*زُهْدُ المرجع السيستاني وعطاؤه:*
كتب أحد أبناء السنّة باسم (الطالب) مقالاً في (الانترنت) على شبكة هجر الثقافية بتاريخ (17 / 4 / 2003م) الموافق (١٤ / صفر / ١٤٢٤ هـ) … تحت عنوان *"السيستاني يشكو من الظلم"* يقول فيه:
*"الحقيقة أنّ السيّد السيستاني رجل عظيم القدر ، مهيب الطلعة ، جليل المكانة ، سمح الملامح".*
*زُرْتُه في بيته قبل عدّة سنوات -يعني قبل سقوط النظام الصدّامي- وكان كلّ همّي أن أرى كيف يعيش مراجع الشيعة الذين يدخل عليهم من الخُمس أكبر من ميزانيّات بعض الدُّول !*
*أودّ أن أرى "القصر" الذي يعيش فيه أكبر مراجع الشيعة وأكثرهم دخلًا:*
*السيّد علي السيستاني...*
*ذهبتُ إلى منزله عصرًا ، وهو قرب مسجد الإمام علي (كرّم الله وجهه) ـ يقصد الحرم الشريف ـ سِرْتُ في طريق ، وقابَلَني رجلٌ عراقيٌّ أراد أن يستدرجني إلى منزلٍ قيل إنّه للمخابرات ، ولكن الله سلّم.*
*سِرْتُ في طريق مستقيم مستدبراً لمسجد الإمام علي (كرّم الله وجهه) ، ثمّ انعطفتُ إلى اليسار في زقاق صغير ، ثمّ سِرْتُ حتّى أصبح "قصر" السيستاني على يميني !*
*إستقبلني الخادم مشيراً إلى أنّ الزيارة صباحاً -إذ لم يكن لديّ موعد خاص- ، ولكنّه لمّا رأى أنّي غريب عن البلد سمح لي بالدخول.*
*دخلتُ "القصر" ، نزلتُ عدّة عتبات إلى بَهْوِ "القصر" الذي لا يتجاوز عدّة أمتار ! وإنْ لم تَخُنّي الذاكرة كانت على يساري ثلّاجة ماء ودَرَج.
ومباشرةً من البهو دخلتُ إلى غرفة الاستقبال التي كانت تواجه باب المنزل مباشرة.*
*جلستُ أنتظر السيّد في تلك الغرفة الصغيرة ، وكان فيها بعض الخليجيّين الذين قَدِموا لزيارة السيّد ، وما أنْ فرغتُ من شرب كاسة الشاي العراقي ، حتّى أقبل أحد المعمّمين وهو ابن السيّد ، يُؤذِن بدخول السيّد (المرجع).*
*وقفنا جميعاً وقد دخل علينا رجل يحمل سيماءَ أبناء الأنبياء (عليهم السلام) ، رجلٌ بهيُّ الطلعة ، دخل مبتسماً ، وأخذتْني الهيبة ، فقمتُ بتقبيل رأسه ويده كما فعل الآخرون ، وكأنّه استحى منّي وأراد أن يمنعني من ذلك تواضعاً منه.*
*طُرِحتْ عليه عدّة أسئلة من قِبَل الزوّار ، وما أن جاء سؤالي المشؤوم حتّى نظر إليّ بحسرة وألم ، وقال شاكياً بشكوى قَرَحَتْ قلبي:*
*"ماذا يأخذ المرجع من المرجعية ؟! أُنظر إلى بيتي ! (وقد كان بيت لا يسكنه أفقر الناس في بلادنا) أُنظر إلى حالي ، لا يُسمَح لي بزيارة الحسين (عليه السلام) ، ولا يُسمَح لي بالخروج من بيتي إلا مرّةً واحدة في الأسبوع لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وحتّى الهواء الذي أستنشقه مُحرَّمٌ عليّ ! هذه هي المرجعيّة ، وهذا هو حال مراجع الدّين !*
*ليت علماؤنا أصحاب (الشَّبَحات) والسيّارات الفاخرة والقصور الفخمة ، وأرصدة البنوك ، الذين يتّهمون مراجع الشيعة بأنّهم يأكلون الخمس ، أن يزوروا السيستاني وينظروا بأعينهم كيف يعيش مراجع الشيعة ، وكيف هو الزهد الحقيقي في هذه الدنيا !*
ويعلّق سماحة السيّد محمّد صالح الغروي الذي نقل هذا المقال في كتابه (لمحات عن شخصيّة المرجع الديني الأعلى السيّد السيستاني) قائلًا: *يُفْرِضُ السيّد المرجع (مُدّ ظلّه) التزامه بالتقشّف على أولاده والمنسوبين إليه أيضاً ، فقد سُئِل صهرُه ووكيلُه العام السيّد جواد الشهرستاني عن بيته الكبير نسبياً الذي يملكه في مدينة قم.. فقال: الحمد لله أنّي ملكتُ بيتاً قبل مرجعية السيّد ، ولو لم يكن عندي لَما استطعتُ الآن أن أملك بيتاً ، لأنّ السيّد لا يجيز للمنسوبين إليه أن يشتروا لأنفسهم بيوتاً !*
*أمّا ما ذكره هذا الأخ عن خروج السيّد المرجع للزيارة في الأسبوع مرّة ، فقد يكون في أوائل التضييق عليه ، وإلا فقد مُنِع من التدريس وصلاة الجماعة ، ثمّ حُرِم لسنين من الخروج من بيته حتّى لزيارة أمير المؤمنين (عليه السلام).*
هذا وعلّق على مقال الأخ السنّي في الانترنت كاتبٌ باسم (البرهان) مخاطباً إيّاه: *الحقيقة أنا في حيرة من أمري: أأعجب من عيشة هذا المرجع الجليل على الحال التي ذكرتَها ، وهو مرجع لملايين البشر من الشيعة ، تُجبى إليه الملايين من أموال الخمس أم أعجب من إنصافك الرائع الذي بهرتَني به حتّى ظننتُ أنّك شيعيٌّ ولستَ سنّياً. أشكرك أخي العزيز على هذه اللفتة الكريمة ، وصدِّقني أخي الكريم لو نظر الشيعة للسنّة والسنّة للشيعة بمنظارك هذا الجميل ، لحُلّتْ نصف مشاكلنا أو أكثر. وإن شاء الله جاء الوقت لينزاح هذا الظلم عن هذا المرجع الجليل وأمثاله من الملايين من أبناء الشعب العراقي المظلوم ، وشكراً.*
وجاء الكاتب أبو إبراهيم في رسالة إلى صاحب المقال الأصل قائلًا: *الأخ النجيب / الطالب: أُحيّيك أيّها الأخ لإنصافك وحُسْن خُلُقك ، حيث قَلّ الإنصافُ والأخلاق هذه الأيّام ، وفّقك الله وإيّانا للمزيد من الزيارات للمدن المشرّفة والعلماء الأعلام.*
ويعود الأخ السنّي "الطالب" بمداخلة قائلًا لإخوته الشيعة في هذا الحوار:
*إخواني لا تتعجّبوا من الإنصاف ، فهذا أقلّ من حقّ ذلك العالم الجليل ، والحقيقة أنّ ظاهرة الإنصاف بدأت تنتشر في بلادي ، ولها أمثلة كثيرة. وأذكر لكم مثالًا واحدًا: فقد قال أحد الأساتذة الوهّابية عندنا: لم أرَ في حياتي أشدّ إخلاصًا من اثنين وهما الخميني ونصر الله. الخميني حكم ايران ولم يولّ ابنه شيئاً ، ونصر الله قدّم ابنه شهيداً في ساحة الجهاد. وسوف تُريكم الأيّام الكثير من الإنصاف ، إذا زال التعصّب وانقشع الظلام. ويا ليت الإنصاف يتقدّمنا في كلّ مواقفنا لنكون مرّةً أُخرى *( خَیۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ ).*
ويكتب أحد طلّاب المرجع السيستاني عن زهده ما يلي:
*لسيّدنا المرجع السيستاني مُسلكٌ ثابتٔ منذ صغره إلى اليوم ، في ولائه واقتدائه بأهل البيت الطاهرين (عليهم السلام) في الورع والزهد والتقشّف والابتعاد عن زخارف الدنيا. ولم يتغيّر شيءٌ من مسلكه بعد مرجعيّته الواسعة (بعد سقوط صدّام)، فلم يقبل أن يغيّر بيته الصغير في النجف ، وكذلك الأمر في مسلكه وفي طعامه ولباسه ، ومستلزمات معيشته المتواضعة ولا سمح لأحد من أولاده أن يشتري بيتاً واسعاً !*
*وقد جاءه أحد التجّار وأهدى إليه مبلغاً مالياً كبيراً ، وقال إنّه من خالص ماله وليس حقوقاً شرعيّة ، وأنّه هديّة خاصّة للسيّد لشراء بيت أو صَرْفه في نفقاته الخاصّة ، فلم يأخذه ، فألحّ عليه التاجر ، فقال له السيّد: يوجد بعض طلبة العلم لا يأخذون من الحقوق الشرعيّة فأعْطِه لهم ، واستحضر السيّدُ بعضَهم ، ودفع التاجر المال إليهم.*
*أقول:*
إنّ الزُّهْد في الدّنيا على مستوى المرجع نفسه ينتج مثل ما أنتجه المرجع السيستاني (متّع الله المسلمين بطول بقائه) من انجازات في كلّ العالم.. فعلى مستوى مدينة قم المقدّسة مثلًا ومن خلال صهره المبجّل سماحة السيّد جواد الشهرستاني (حفظه الله) فإنّه يدير شؤون (٥٦) ألف طالب للعلوم الإسلاميّة ، من ناحية الرواتب الشهريّة ، ومن ناحية السكن في المجمّعات الطلّابية ، وسائر احتياجاتهم العلميّة والإنسانيّة. ففي مدينة قم أسّس (٥٥٠) وحدة سكنيّة ، وفي مشهد المقدّسة (١٨٠) وحدة سكنيّة على خطّ البناء والتأسيس وفي منطقة سراجه (١٨٠) وحدة سكنيّة ، ناهيك عن البلدان الأُخرى التي تُدار فيها الحوزات والمؤسّسات عبر وكلاء سماحته.
ولعلّ من أهمّ الخدمات التي تُقدِّمها مرجعيّة السيّد السيستاني (دام ظلّه العالي) للحوزات العلميّة وعلماء الدّين المنتشرين في العالم اليوم هو استخدام تكنولوجية الانترنت لتوصيل العلوم الإسلاميّة بشتّى مجالاتها وبمختلف اللغات إلى طلّابها والباحثين الإسلاميّين. مثلًا قام سماحة العلاّمة الشيخ علي الكوراني (حفظه الله) بتجميع آلاف كتب المصادر والمعاجم الفقهيّة والحديثيّة والعلميّة للشيعة والسنّة في أقراص كمبيوتريّة بدعم مباشر من مكتب المرجع السيستاني في حوزة قم المقدّسة، ويتبعه فيها المركز العالمي لعلوم آل البيت (عليهم السلام) بإدارة سماحة السيّد إبراهيم اللاجوردي وفضيلة السيّد علاء الدين النجفي وباللغات العربيّة والفارسيّة والانجليزيّة والآذريّة والتركيّة والفرنسيّة والألمانيّة والايطاليّة والصينيّة والروسيّة والاندونيسيّة والتايلنديّة والهنديّة والبنغاليّة والسواحليّة و....
تأتي هذه الإنجازات الحضاريّة ضمن المنهج المؤسساتي الذي تعتمده مرجعية السيّد السيستاني تحت إشراف وكيله العام وصهره سماحة العلّامة السيّد جواد الشهرستاني في حوزة قم المقدّسة ، ومنها تأسيسه المكتبات التخصّصية لأهل العلم والتحقيق والتأليف والدراسات ، مثل مكتبة العلوم القرآنيّة بإشراف العالم الجليل الشيخ المهدوي وتحتوي على أكثر من (١٥) ألف كتاب في أكثر من (٥٠٠٠) عنوان ومكتبة علوم الحديث بإشراف العالم الجليل الشيخ المعراجي وتضمّ أكثر من (٥٠) ألف كتاب. ومكتبة علوم الفقه والأُصول وهذه تضمّ أكثر من (١٢) ألف كتاب بإشراف العالم الجليل الشيخ المهريزي. ومكتبة علوم الفلسفة والكلام تحتوي على أكثر من (١٠٠٠٠) كتاب تحت إشراف العالم الجليل الشيخ العابدي ، ومكتبة الأدب والبلاغة واللغة تضمّ أكثر من (٥٠) ألف كتاب بإشراف الأُستاذ فرات الأسدي. ومكتبة خاصّة بعلوم التاريخ تحتوي على أكثر من (٥٠) ألف كتاب بإشراف العالم الجليل الشيخ جعفريان. ومركز الزهراء الثقافي للطالبات في الحوزة والنساء العالمات بإشراف العالمة الجليلة أُمّ علي مشكور. كما أسّس مكتب المرجع السيستاني في قم المقدّسة مركزاً نجوميّاً للرصد الفلكي ورؤية الهلال وأسّس المراكز الطبيّة والخيريّة لمعالجة المرضى الفقراء ومراكز دعم اللاجئين الأفغان والعراقيّين.
*وأقول:*
حديثًا في لقائي بسماحة السيّد جواد الشهرستاني (حفظه الله) في شهر يونيو من هذا العام (2023م) الموافق لـ (شهر / ذي القعدة / ١٤٤٤هـ) أخبرني أنّه قام ببناء أضخم مستشفى في مدينة قم لمعالجة الأورام الخبيثة وغيرها وبأحدث الأجهزة الطبّية المستوردة أكثرها من ألمانيا.
*وأقول أيضًا:*
لا يمكن نسيان مواقف المرجع السيستاني (دام ظلّه العالي) في قضيّة العراق ما بعد السقوط.. أبرزها عشرة:
*١ ـ* فتواه حول الدفاع عن أراضِ المسلمين.
*٢ ـ* تحريمه نهب الأموال الحكوميّة بعد سقوط صدّام.
*٣ ـ* تحريم الانتقام والتصفيات الجسديّة في البعثيّين من غير المحاكمة.
*٤ ـ* تحريمه بقاء قوّات الاحتلال في العراق.
*٥ ـ* عدم تجاوبه مع ساسة أمريكا في العراق.
*٦ ـ* تحريمه بيع الأراضي لليهود في العراق.
*٧ ـ* رفضه لصلاحيّة مجلس الحكم الانتقالي لتدوين دستور العراق.
*٨ ـ* مطالبته بالانتخابات الشعبيّة الحُرّة لبناء دولة العراق ومؤسّساته.
*٩ -* فتواه الجهاد الكفائي لصدّ هجمات داعش الإرهابي.
*١٠ -* مساعدة ملايين الفقراء والأيتام والنازحين ما آلاف الطلبة في الحوزات العلميّة.. ماليًّا وعلاجيًّا وسكنيّا ومعيشيًّا...
*وفي الختام:*
إنّ هذه المواقف المناقبيّة والإنجازات العظيمة للمرجع السيستاني ومرجعيّته الرشيدة لها جذور في الفكر الشيعي الرائد.. حيث بنى عليها المرجع السيستاني شخصيّته ضمن أقسى ظروف مرّتْ على سماحته في النجف الأشرف من قِبَل نظام صدّام الدموي وكذلك بعد سقوطه.. وهذا يدلّنا ويكشف للأجيال على أنّ المرجعيّة الشيعيّة عندما تحصل على فرص التنفيس فإنها لن تَألُوَ جهدًا في خدمة الدّين والناس والوطن دون تفريق بين العرب والعجم والشيعة والسنّة والمسلم غير المسلم وبلا تمييز بين بلدٍ وبلد.
هذه الحقائق المُشرِقة يمكننا رصدها في كلّ المرجعيّات الشيعيّة المعاصرة والماضية.. والسيستاني مثالًا.
*إعداد مكتب العلّامة المهتدي*
٤/شهر صفر/١٤٤٥
2023/8/21
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق